حوار| المخرج علي عبد الخالق: مُنعت من العمل في السبعينات.. واعتزلت لأننا نعيش «عصر الأقزام»

المخرج علي عبد الخالق
المخرج علي عبد الخالق

حوار مرفت عمر 

 

«عبد الخالق»: منعت من العمل في السبعينات.. والعراق فتحت ذراعيها لي 

"ثلاثية الحرب" مشروع توقف بعد انتصارات أكتوبر.. و"بيت بلا حنان" استراحة محارب 

قدمت حسن الإمام ممثلا في "مدافن مفروشة للإيجار".. وسعيد مرزوق أحبط مخططي 

أعلنت اعتزالي حفاظا على تاريخي لأننا نعيش "عصر الأقزام" 

خلاف حسين كمال مع نبيلة عبيد أجبرني على "عتبة الستات" 

أرغمت على العودة للقاهرة في مطار بغداد بسبب لطفي الخولي 


علامات مضيئة في تاريخ السينما المصرية والعربية سجلت اسم المخرج علي عبد الخالق بأحرف من نور في الذاكرة، "أغنية على الممر" ، "جري الوحوش" ، "العار" ، "البيضة والحجر" و"شادر السمك" وغيرها من الأعمال التي حققت نجاحا كبيرا وساهمت في تشكيل الوعي الشعبي، عمل في بدايته كمساعد إخراج قبل أن يبدأ في تقديم عددا من الأفلام التسجيلية التي حصلت على جوائز محلية ودولية منها "أنشودة الوداع" و"السويس مدينتي". 


أول أعماله الروائية الطويلة هو "أغنية على الممر" الذي حقق نجاحا كبيرا ولا زال من أقوى الأفلام التي تعرض في المناسبات الوطنية، وكتب 4 أفلام كقصة أو سيناريو وأخرج مالا يقل عن 50 عملا فنيا منها 7 مسلسلات وأفلام تسجيلية وطويلة، قدم المخرج حسن الإمام ممثلا من خلال فيلمه "مدافن مفروشة للإيجار" وشرع في تكرار التجربة مع المخرج سعيد مرزوق لكنها لم تكتمل، سعى لعمل ثلاثية سينمائية عن الحرب بعد نجاح "أغنية على الممر" لولا تغيير المناخ السياسي وبعد التحضير لعام كام ، ابتعد عن السينما بعد أن تبدلت المنظومة وآثر أن يأخد مقعد المتفرج.

في الحوار التالي يفتح علي عبد الخالق، قلبه ويتحدث عن المتغيرات التي طرأت على صناعة السينما خلال الـ15 عاما الماضية وبعض المواقف التي جمعته برفقاء الرحلة منهم حسن الإمام وسعيد مرزوق ومحمود أبوزيد. 


علاقتك بالصحافة جيدة منذ بدايتك فكيف تكونت؟ 


الصحافة كان لها شأن عظيم لقوة تأثيرها مع قلة عدد المطبوعات وقتها ، كنا حريصين على القراءة ولنا كتاب نتابع كل ما ينشرون ، كان للصحفي هيبته ومكانته عكس ما نراه اليوم مع انتشار المواقع الإليكترونية واللهث وراء الأخبار الجاذبة ، تراجع دور الصحافة والصحفي معها ولو لم تكن بإرادته ، وبدايتي تزامنت مع العصر الذهبي للنقد والذي كان رواده خمس نقاد فقط هم سمير فريد وسامي السلاموني وأحمد صالح وإيريس نظمي ورفيق الصبان كانوا محلا للثقة ، حتى أن رئيس مجلس إدارة الجمهورية ورئيس تحريرها وقتها مصطفى بهجت بدوي كتب مقالة بعنوان "تعيشي يا ضحكة مصر" عن فيلمي في وقت كان  له مصداقية لدى القراء ، حتى كتاب المسرح فاجئوني بكتاباتهم الإيجابية عن الفيلم ، فقد كانت أقلام النقاد في صالحنا ودافعا كبيرا للتجويد ، ومن النقاد من لم يكن له مكانا ثابتا للكتابة منهم مصطفى درويش وفتحي فرج وعلي أبو شادي ، وعلى الرغم من ذلك كنا نحرص على أراءهم في أعمالنا ، كان للصحافة دور كبير وصداقتي بعدد منهم جعلتني أشعر بهيبتهم . 


كمال الملاخ كان واحدا من هؤلاء وكان يحبني جدا ، أخرجت له فيلمين للمركز القومي للسينما بعدها صرنا أصدقاء ، حتى أن كل أخباري كانت تنشر بما فيها مالا يستحق النشر ، ذات يوم زرته في مكتبه بالأهرام ودخلت السكرتيرة لتخبره أن ثلاثة وزراء اتصلوا به ولم أشعر بأن الأمر جلل بالنسبة له بل كان عاديا وردود أفعاله توحي بذلك ، كمال كان رمزاً لأنه من المؤثرين إذ أن خبر في الصفحة الأخيرة كان كفيلاً بإقالة وزير ، أسس مهرجان القاهرة السينمائي ومن بعده الإسكندرية السينمائي بدون ميزانية ، وبعد حوار مع سامي الزغبي مدير شيراتون القاهرة وزوجته نجوى فؤاد دفعوا له 30 ألف جنيه ، أقام الدورة الأولى وأحدثت وهجاً غير عادياً ، حضرت الافتتاح وكنت شاهداً على جرأته في صناعة مهرجان من خلال الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما التي لا تملك موارد مالية ، النجوم التي حضرت كانت تخرج في موكب لا يقل عن موكب وزير ، حضر الافتتاح رئيس الوزراء وكانت  مكالمات الملاخ التليفونية توجه مباشرة لرئيس الوزراء ،  حضرت الدورة الأولى أيضاً صوفيا لورين في سيارة مكشوفة لتحية الجماهير . 


فيلم "أغنية على الممر" بداية قوية .. هل كان له تأثير على اختياراتك ؟ 


بعد عرض فيلم "أغنية على الممر" دعاني اتحاد الطلبة بجامعة القاهرة لعمل ندوة عن الفيلم ومعي صلاح السعدني وسامي السلاموني ، عرض الفيلم في مدرج به 1000 متفرج ، ولم تقام الندوة بل تحولت إلى هتافات ضد الرئيس أنور السادات والنظام فيما سمي بعام الحسم سنة 1971 ، وخرج الطلبة وعمال حلوان في مظاهرات ، وكنت ألتقي بأصدقائي في قهوة "إيزابيتش" في ميدان التحرير ، لم تعد موجودة الآن وحلت محلها شركة طيران كنا نجلس عليها ، كان عمدة تلك الجلسة هو سامي السلاموني كما جلس عليها أغلب نجوم مصر ومنهم محمود ياسين ونادية لطفي ، كنا نسهر مع الطلبة المتظاهرين وندعوهم للشاي والقهوة ، تركناهم في الثانية صباحا وفضت المظاهرة في الرابعة صباحا بالمياه ، تلك الفترة كانت ساخنة على المستوى السياسي ، بعدها بيومين فوجئنا بأسماءنا في جريدة الجمهورية على أننا ضمن القائمة التي فصلت من الاتحاد الاشتراكي ، لم نكن يوما أعضاء فيه وصدرت تعليمات بعدم تعامل أجهزة الإعلام معنا ، المسموعة منها والمرئية والمكتوبة ، كانت الاسماء هي على عبد الخالق وسامي السلاموني وصلاح السعدني وكل يسار مصر مثل محمود أمين العالم ولطفي الخولي ، توقفت بعدها عن العمل لفترة . 


وكيف تجاوزت تلك الفترة ؟ 


تجاوزتها بموقف شجاع من وزير الثقافة يوسف السباعي وأذكر وقتها أنني دعيت لمهرجان بغداد الأول مع وفد مصري ضم 45 نجم ما بين إعلاميين وصحفيين ومخرجين ، كنت وقتها في وضع أشبه بالاعتقال حتى أننا في المنزل كنا ننتفض مع كل صعود للأسانسير وغلق بابه انتظارا لدق جرس الباب ، وحينما تلقيت الدعوة تساءلت هل سيسمحون لي بالسفر ، بالفعل سافرت إلى العراق وفي صالة كبار الزوار في مطار بغداد سمعنا في الميكروفون "الأستاذ على عبد الخالق صالح بناءا على تعليمات الأمن المصري مطلوب مغادرته إلى القاهرة" ، الجميع كان في حالة صمت وأنا الوحيد الذي منع من دخول بغداد ، ولم يكن معي سوى 10 دولارات فماذا سأفعل ، انتهى الصمت وانشغل الكل في الحديث مع الآخر ، بعدها خرج الصوت من الميكروفون "الأستاذ على عبد الخالق صالح هذه كانت مداعبة من الأستاذ لطفي الخولي ، انفجر الجميع في الضحك وكنت مستاء جدا حتى قبلني في رأسي واعتذر . 


في بغداد قدم لي عرض عمل بمقتضاه أقوم بالإشراف على وحدة الأفلام القصيرة ، على أن أقدم فيلما في العام في مقابل أعلى أجر يحصل عليه أجنبي ، رحب الوفد بالفكرة وشجعوني على قبول العرض مؤكدين أنني في مصر لن أستطيع العمل ، وأن أستقر في بغداد لثلاث سنوات أدخر فيها مالا وأعمل حتى أستطيع شراء شقة وأتزوج ، جاءني عبد الرحمن الخميسي الذي كان هاربا من النظام ويعمل في بغداد رئيسا لجريدة الجمهورية وهي الجريدة الرسمية في العراق تابعة لحزب البعث ، حاول إقناعي بأهمية بقائي في العراق مؤكدا أن الترحيب الكبير بي هو أقوى مشجع ، وأن الناس سيضعونني على كفوف الراحة. 


انتهى المهرجان وغادر الجميع وبقيت بعدها أياما في بغداد ، دعاني سعد لبيب رئيس التليفزيون الهارب أيضا من النظام بعد ثورة التصحيح ، كان معه إبراهيم عبد الجليل في سهرة شرب ، أجهشوا بعدها في البكاء لبعدهم عن مصر وهو ما جعلني أتساءل هل سأكون مثلهم؟ ، في الصباح طلبت مقابلة رئيس موسسة الإذاعة والتليفزيون الذي أصبح وزيرا بعدها ، طلبت منه أن أعود إلى مصر بعد شكره على ما قدموه لي ، وكانت تلك الفترة تشهد تشكيل وزارى في مصر كان من بينه يوسف السباعي وزيراً للثقافة والإعلام ، فلم يمانع إلا أنه قال لي إذا واجهتك مشاكل جديدة توجه إلى السفير العراقي في القاهرة لتسهيل عودتك لبغداد ووظيفتك موجودة . 


وصلت القاهرة وطلبت لقاء الوزير وبعدها بيومين كنت في مكتبه ، لم تكن تجمعني به صداقة أراه فقط من خلال التليفزيون ، قال لي أنه سأل عني وعرف أنني لست شيوعي ولا إخواني ، وأنه لا يتخيل أن علي عبد الخالق يكون بلا عمل ، وأطلعني على أنه سيناقش الأمر مع الرئيس السادات وإذا رفض سيستقيل ، رفع سماعة التليفون واتصل بعبد الحميد جودة السحار قال له عندي علي عبد الخالق وسينزل للتوقيع على عقد عمل جديد ، وبعدها قال السحار لي أن القرار صادر عن الاتحاد الاشتراكي وأن الرئيس لم يقرر منعي من العمل ، كان هذا شأن الوزراء في ذلك الوقت ، كانوا أصحاب قرار فقد وقعت عقد عمل قبل أن يلتقي الوزير بالرئيس ، كنت أحب يوسف السباعي جدا على الرغم من أن سمعته كانت سيئة فيما يتعلق بالنساء وعلاقاته بهن وتشغيل أصحابه . 


هل كان ذلك سببا في عدولك عن تنفيذ ثلاثية الحرب ؟ 


لا على الإطلاق فقد كنت أحضر لثلاثية عن الحرب بعد نجاح "أغنية على الممر" تتناول حرب الاستنزاف ، استغرقت في الكتابة عام كامل وكان صلاح ذو الفقار منتج منفذ ، وكتب له السيناريو مصطفى بركات ، قامت حرب أكتوبر انتهى المشروع لأن محوره كان موت الجنود على الجبهة والقاهرة لاهية تماما ، وحدث وقتها رفض من اللجنة العليا ورئيسها فوميل لبيب للسيناريو ، ذهبت للوزير مرة أخرى وقال لي أنا أثق في فوميل لبيب جدا إلا أني أيضا أثق فيك ، ووقع على السيناريو بالموافقة ، إلا أن الحرب وقفت حائلا دون تنفيذه على الرغم من حماس صلاح ذو الفقار الذي اقترح تسهيل التصوير وتوفير المعدات عن طريق شقيقه كمال أحد قادة الجيش الثاني ، فأخبرته أن الناس الآن سعيدة بالانتصار ولا ضرورة لتنفيذه في الوقت الحالي ، وكانت وجهة نظري أن يقدم فيلم كهذا بعد مرور 20 عاما على الحرب ، واخترت تقديم فيلم بعيدا عن السياسة تماما . 


هل كان بيت بلا حنان؟ 


نعم قدمته في 1973ولم يكتب عنه كلمة فيما عدا مقال لسمير فريد نشر اخر العام ، وجاء فيه أنه أول فيلم مصري يذهب إلى المدرسة الطبيعية في السينما وأنه مع فيلم "العصفور" أبرز أفلام العام التي أعجبته ، بعد أن كانت أخباري وأعمالي تنشر يوميا وصلت لمرحلة سطرين في مقال طول العام ، الفيلم كان من إنتاجي كشريك متضامن مع مصطفى محرم وسعيد شيمي وميزانيته 30 ألف جنيه بسلفة من البنك وقام ببطولته النجوم نادية لطفي وسمير صبري وهدى سلطان وعماد حمدي وسعيد صالح وتوفيق الدقن ورفضت شيكاتهم حينما ذهبوا لصرف مستحقاتهم ، فعلمت أن الوزير سيكون في التليفزيون في الثانية عشر ظهرا ، وقفت على كورنيش النيل في الحادية عشر والنصف صباحا وحينما رأيته ينزل من سيارته ناديته سيادة الوزير ، نظر إلي قائلا "ايه يا علي" ووضع يده على كتفي فقلت له "أنا في عرضك أنا هتسجن" ، ودخلنا مكتبه حكيت له ما حدث وطمأنني أنه سيتصرف وطلب من محمد دسوقي في وجود سعد الدين وهبة كتابة طلب لصرف الشيكات ، والاثنين كانا من أبرز الشخصيات في تلك الفترة . 


قدمت المخرج حسن الإمام كممثل في فيلمك فكيف كانت التجربة؟ 


كنت أحب حسن الإمام وقريب منه لدرجة أنني لم أكن أزور زملائي أثناء التصوير إلا هو ، منعا لكلمات دارجة تتعلق بالحسد فمع أي موقف يقال "ده عين فلان" ، ذات مرة كنا نصور في ذات الوقت وكان هو يصور في ديكور حارة ، مررت من أمامه بالكاميرا وقلت له "يا ملك" فرد : "حسن الإمام قاعد يستنى عفاف شعيب ، ياريتني كنت ممثل" ، فقلت له : "وليه ممثلتش" ، رد "غلطت يا علي" ، استوقفتني كلماته خاصة وأنه كان يتميز بأسلوب في الكلام به الكثير من المد لبعض الحروف ، جلست معه قليلا ثم تحركت ، حينما جاءني فيلم "مدافن مفروشة للإيجار" رأيت الإمام في شخصية الحانوتي وفكرت في الاستعانة به كممثل ، وكان المنتج يفكر في عادل أدهم لتلك الشخصية ، فاقترحت حسن على مسئوليتي وأن الصحافة ستتحدث عن المشاركة الأولى لحسن الإمام كممثل فاقتنع بكلامي ، فاتصلت بحسن وقلت له "يا ملك عندي دورعايزك تعمله" ، فقال : "تقصد حسين ؟" ، قلت له "أقصدك أنت" فطلب مني أن أرسله إليه ، ولأنه يستيقظ مبكرا قرأ السيناريو ثم اتصل بي مستنكرا أن أعرض عليه دور بطولة ، وسألته عن الأجر الذي سيتقاضاه فطلب رأيي فيما سيطلبه ، أخبرته أن جهة الانتاج تتوقع أن يطلب كما يأخذ كمخرج وهو 15 ألف جنيه ، كان يريد أن يتقاضى 25 ألف جنيه تجملا أمام نجلاء فتحي ومحمود ياسين ، وأقنعته بمبلغ 17 ألف جنيه ووافق.

 
وكانت لي تجربة مماثلة لم تتم مع سعيد مرزوق ، حينما عرض ابراهيم شوقي تقديم فيلم عن قصة سيدتي الجميلة بعد نجاح فيلم أمريكي لنفس التيمة قامت ببطولته جوليا روبرت ، شاهدت الفيلم في السينما مع وحيد حامد الذي قال عنه أن كتابته سهلة وطلب من أحد كتاب السيناريو أن يكتبه ويقوم هو بالإشراف عليه وهو ما كان ، عرضت وقتها أن يقوم ببطولته مديحة كامل وسعيد مرزوق ، فوجئ ابراهيم شوقي باقتراحي لسعيد مرزوق لأنه مخرج وليس ممثل ، إلا أني رأيته في هذا الدور خاصة وأنه وسيم وعرضت عليه الدور حيث كان صديقا مقربا لي ، ومن القلائل الذين دخلوا بيتي ودخلت بيتهم ووافق على الاقتراح ، بينما ابراهيم شوقي متشككا في نجاح الأمر ، وذهبت إلى تناول الصحافة للأمر على أنها المرة الأولى لمرزوق أمام الكاميرا ، وبعد تحديد موعد لبدء التصوير اختفى سعيد تماما ولمدة 5 أيام لا يعرف عنه أحد شيئا ، وحينما ظهر تحجج بمدير الانتاج على أنه لم يكلمه في الوقت الذي اشترى فيه ملابس بأربعة ألاف جنيه ، فقلت له "احنا لسه فيها" ، فقال " لا نفسي إتسدت" ، ونفذت الفيلم فعلا ولم يكن سوى استراحة محارب ، فيلم خفيف استمتعت وأنا أعمل به فكل مخرج يعمل بجدية تأتي عليه مرحلة يشعر فيها بالإرهاق النفسي ويحتاج لأن يخرج فيلما كهذا ، كان فيلم "خادمة ولكن" قام ببطولته إلهام شاهين ومصطفى فهمي ، قصة رومانسية سعدنا بها ودفعت إلهام من جيبها 10 ألاف جنيه لشراء تذاكر السينما ليستمر أطول مدة متاحة . 


كيف ترى أعمال المخرجين في الوقت الحالي؟ 


 جيلي والجيل السابق تستطيع مشاهدة أعمالهم اكثر من مرة وربما بنفس إحساس المشاهدة الأولى إلا ما ندر ، أما الجيل الحالي من المخرجين فعدد قليل يعد على الأصابع ممن تستطيع مشاهدة فيلمه أكثر من مرة ، والغالبية تكتفي فقط بالمشاهدة لمرة واحدة ، فمنذ العام 2005 وحتى الآن تعدى الانتاج السينمائي 300 فيلم تقريبا ، أستطيع أن استثني 10 أفلام منها تقريبا لأراه أكثر من مرة ، بينما فيلم مثل "في بيتنا رجل" شاهدته تقريبا 100 مرة ولا أمل مشاهدته ، يعتبر حسن الامام أفضل من عبر عن الطبقة المتوسطة سينمائيا ، ركز في المنزل - الذي يعد "اللوكيشن" الرئيسي للعمل - على تفاصيل جعلت المشاهد يعيش داخل هذا المنزل ، الديكور والملابس والشخصيات والحوار وجميع عناصر الفيلم ، هذا الفيلم حالة بديعة من الصعب تكرارها ، وضعت مخرجنا الجميل في قائمة الأفضل في تقديم الأسرة المصرية التي تنتمي للطبقة المتوسطة في أروع حالاتها دون مبالغة أو تزييف . 


قدمت الكوميديا غير المتعمدة من خلال عدد من الأفلام فهل هي بصمات الكاتب؟ 


الكاتب محمود أبوزيد له أسلوب مميز في الكتابة وصاحب قدرات خاصة في فن الإضحاك ، الفضل يعود إليه في الكوميديا التي أحسها كل من شاهد أفلام " العار" ، "الكيف" ، "جري الوحوش" ، "البيضة والحجر" و"عتبة الستات" وهي الأفلام الخمسة التي قدمناها معا ، لم يتم إضافة جملة على ما كتبه محمود أبوزيد فكلها إيفيهاته وليست من ارتجال الممثلين ، فقد كانت تربطنا صداقة قوية تمتد لعائلاتنا منذ كنا زملاء الدراسة حتى وفاته ، أحيانا كنت أنام في منزله إذا تأخر الوقت ، محمود كان يحدد الموضوع الذي سيناقشه في فيلمه فإذا ما تطرق لجانب نفسي أو قانوني كان يترك الكتابة ويقرأ بتمعن ودراسة فيه ، ويستعين بخبراء ويعمل حسب مصطلحه "كراسة تحضيرات" يكتب فيها كل ما يعن إليه من ملاحظات والشخصيات ، خاصة أن منها شخصيات يعرفهم جيدا يدرس تفاصيل الشخصية والجمل الدارجة على لسانهم وينقلها على الورق ، ذات مرة أحضر "منجد" في بيته ولم يكن في حاجة للتنجيد ولكن بهدف دراسة الشخصية لتساعده على الكتابة الموضوعية ، حكى معه وكان يحب الحكي والتدقيق مع ردود أفعال الناس ، فيكتشف من الحوار نقاط لم تخطر على باله أو يتفهم وجهة نظر لم يتوقعها ، وبلغتنا نقول إن فكرة ما بتنور أمامه ، المنجدين لهم لغة خاصة فيما بينهم اكتشفها محمود وكتبها أحيانا في حواره كغيرها من المهن لا نستطيع فهمها ، فمثلا المعلم يقول للصبي "الابرة كاتيانة" ومعناها المدام بخيلة ليجد أمامه مادة كبيرة يأخذ منها ما يحتاجه ، حتى كلمات الأغاني للأفلام كان يكتبها وعلى التتر كتبت تخاريف محمود أبو زيد . 


"عتبة الستات" استراحة محارب أيضا؟ 


هذه حقيقة حيث أنني اعتبرت فيلم "عتبة الستات" استراحة محارب خاصة أن حسين كمال هو من كان سيخرجه في موعد المصيف ، كلمني محمود وقال لي إحنا مزنوقين فيك لأن فيه فيلم كان المفروض حسين يعمله واعتذر عنه لمشاكل مع نبيلة عبيد ، انهيت المصيف وعدت للقاهرة ، قرأت السيناريو فلم يعجبني إلا أنني صورته وأخذ فرصته في العرض ، وللعلم كل مخرج قد يضطر لتقديم أعمال غير راضي عنها كليا ، إلا أن الالتزامات التي يجب عليه أن يقوم بها تحتم عليه العمل ، كما نقول أكل عيش ، كما أن مجاملات الأصدقاء وانقاذ موقف مطلوبة ، فقد كانت بيننا تلك المساحة على عكس ما يحدث الآن فنحن نعيش عصر الاقزام في كل شيء .